تذكار القِدِّيسِ أفْتِيخْيوس بطْرِيرْكِ القسْطنْطينِيّة ولِد أفْتِيخْيوس سنة 512 في بلْدةٍ مِنْ إِقْلِيمِ فْرِيجْية مِنْ آسْيا الصغْرى، تدْعى "الإِلهِيّة"، وكان أبوه ألِكْسنْدروس، أحد قادةِ الجيْش، وأمّه سِينِيسْيا ابْنة الكاهِنِ أفْتِيخْيوس، الذي اهْتمّ بِترْبِيةِ حفِيدِهِ على الفضِيلةِ والتقْوى، وكان يصْطحِبه إِلى الكنِيسةِ ويوقِفه بِإِزاءِ جرْنِ المعْمودِيّةِ ويقول له: "أذْكرْ يا بنيّ النِعْمة العظِيمة التي أفاضها روح الربِّ القدّوس عليك في هذا الجرْنِ الطاهِرِ فأضْحيْت ابْنًا لِلّه. كنْ أمِينًا تنلِ الحياة الأبدِيّة والملكوت السماوِيّ". ولمّا بلغ الاثْنتي عشْرة، أرْسِل إِلى القسْطنْطينِيّةِ لِيدْرس على كِبارِ معلِّمِيها ونبغ في علومِ عصْرِهِ، كما نبغ في عِلْمِ الكتبِ المقدّسة، ولكِنّه كان توّاقًا إِلى خِدْمةِ اللهِ في العزْلة. سِيم شمّاسًا، ثمّ رقِّي إِلى درجةِ الكهنوت، واقْترِح اسْمه لِلأسْقفيّة، فأبى تواضعًا، وخرج مِن المدِينةِ وأقام راهِبًا في أماسْيا. هناك برز وشعّتْ فضِيلته، فأقامه أسْقف المحلّةِ رئِيسًا على الرهْبانِ المنْتشِرِين في أرْجاءِ أسْقفيّتِهِ. أبْلى أفْتِيخْيوس في مهمّتِهِ الجدِيدةِ البلاء الحسن، فلمّا انْعقد مجْمعٌ محلِّيٌّ سنة 544، واسْتحال على أسْقفِ أماسْيا الذهاب إِليهِ بِداعِي المرض، أوْفد القِدِّيس ممثِّلًا عنْه. كان الغرض مِنْ عقْدِ المجْمعِ النظر في قضِيّةِ منْ سمّوا "الفصول الثلاثة"، أي تِيودوروس أسْقف المصِّيصة، وتِيودوروس القورشِيّ، وإِيباس الرّهاوِيّ. وكان الخِلاف حوْل صِحّةِ إِيمانِ الثلاثةِ مِن الأسْبابِ المباشِرةِ لانْعِقادِ المجْمعِ المسْكونِيِّ الخامِسِ في القسْطنْطينِيّةِ سنة 553. لمع في ذاك المجْمعِ المحلِّيِّ نجْم القِدِّيس، فأحبّه بطْرِيرْك القسْطنْطينِيّةِ مِيناس واحْتضنه، لا سِيّما، كما قِيل، بعْد رؤْيا إِلهِيّةٍ أنْبأتْه بِأنّ أفْتِيخْيوس سيكون خلِيفته العتِيد. وفي تِلْك الأثْناءِ توفِّي مِيناس بطْرِيرْك القسْطنْطينِيّة، فانْتخِب أفْتِيخْيوس خلفًا له. فما تسلّم عصا الرِعايةِ حتّى راح يغذِّي النفوس بِتعْلِيمِ الإِيمانِ الصحِيح، ويوجِّه عِنايةً خاصّةً بِالكهنة. في مطْلعِ وِلايةِ أفْتِيخْيوس انْعقد المجْمع الخامِس في القسْطنْطينِيّةِ بِرِئاستِهِ وحضورِ مائةٍ وخمْسةٍ وسِتِّين أسْقفًا. قاوم بِدْعة الطبِيعةِ الواحِدةِ بِشِدّة، التي تكلّمتْ عنِ الصِيغةِ القائِلةِ بِالـ Aphtartodocetism، أي "بِأنّ جسد المسِيحِ منزّهٌ، بِطبِيعتِهِ، عنِ الألمِ والفساد، وما كان بِإِمْكانِهِ، نتِيجة لِذلِك، أنْ يكابِد الألم بِغيْرِ أعجوبةٍ نابِعةٍ مِنْ إِرادتِهِ". هذِهْ هِي بِدْعة الطبِيعةِ الواحِدة، بِتعْبِيرٍ مغايِر. قاوم القِدِّيس هذِهِ البِدْعة، فكانتِ النتِيجة أنّ العسْكر، بِأمْرٍ مِن الملِكِ يوسْتِينْيانوس، اقْتحم قصْر هورْمِيسْداس، حيْث كان البطْرِيرْك يقِيم الذبِيحة الإِلهِيّة، وألْقوا القبْض عليه، واحْتجزوه في أحدِ أدْيِرةِ خلْقِيدونْية، وكان ذلِك في الخامِسِ والعِشْرِين مِنْ شهْرِ كانون الثاني سنة 565. ثمّ حطّه الملِك عنْ كرْسِيِّه، ونفاه مِنْ بطْرِيرْكيّتِهِ إِلى جزِيرةٍ بعِيدة، تدْعى Prinkipas، أي "الأمِير"، حيْث قضى قِسْمًا أوّل، وقِسْمًا آخر في أماسْيا، لِمدّةِ اثْنتي عشْرة سنة. قبِل ما جرى له بِوداعة، وقضى أيّامه هناك بِالصوْمِ والصلاة. وفي خلْوتِهِ هذِهِ وضع التآلِيف النفِيسة في حقِيقةِ الإِيمانِ الصحِيحِ وضلالِ البِدع. منّ الله عليهِ بِموْهِبةِ صنْعِ العجائِبِ فشفى المرْضى. ولمّا مات يوسْتِينْيانوس الملِك، وخلفه يوسْتِينوس الثاني، اسْتدْعِي البطْرِيرْك القِدِّيس إِلى كرْسِيِّهِ في القسْطنْطينِيّةِ في العامِ 577، فأخذ يصْلِح في رعِيّتِهِ ما أفْسدتْه البِدع، مثابِرًا على الصلواتِ والتقشّفاتِ إِلى أنْ رقد بِالرّبِّ في 5 نيْسان، يوْم عِيدِ الفِصْح، سنة 582، ودفِن في كنِيسةِ الرسلِ القِدِّيسِين تحْت المذْبح، إِلى جنْبِ رفاتِ القِدِّيسِين الرسلِ أنْدْراوس ولوقا وتِيموتاوس. وهامته موْجودةٌ اليوم في ديْرِ الخلِنْدارِ الآثوسِيّ. صلاته معنا. آمين. |